مقدمة
الخصومة القضائية ليست عداوة بين الأطراف، بل وسيلة قانونية للوصول إلى حكم عادل يفصل النزاعات، مما يتيح للطرفين فرصة الحفاظ على حقوقهم وحل النزاع بسلام. قد يتفق الخصوم أثناء سير الدعوى على إنهاء النزاع دون حاجة لحكم قضائي، وهنا يظهر مفهوم ترك الخصومة، وهو حق أصيل للمدعي وفقًا للتشريعات القطرية، وقد نُظّم ضمن إطار قانوني يحدد إجراءاته وشروطه.
فكيف يمكن للمدعي ترك الخصومة؟ وما هي الشروط التي تتيح للمحكمة قبول هذا الطلب؟
المقصود بترك الخصومة
ترك الخصومة هو تنازل المدعي عن الدعوى وجميع إجراءاتها، بما في ذلك عريضة الدعوى التي افتتح بها الخصومة، دون التنازل عن أصل الحق المتنازع عليه. بمعنى آخر، يحق للمدعي إنهاء الخصومة مع الاحتفاظ بحقه الأساسي موضوع النزاع، وذلك بمجرد التعبير عن رغبته في إنهاء الدعوى بوضوح أمام المحكمة. هذا التنازل لا يُعد تنازلًا عن الحق، بل هو إسقاط للإجراءات فقط، أما في حالة التنازل عن الحق فهو يشمل الحق والإجراءات معًا، ويمنع المدعي من المطالبة بالحق مرة أخرى.
أسباب ترك الخصومة القضائية
هناك عدة أسباب قد تدفع المدعي لترك الخصومة، منها:
- إعادة النظر في الدعوى: قد يُدرك المدعي أن دعواه تفتقر إلى الأدلة الداعمة، مما يدفعه للتراجع عن الدعوى.
- وجود أخطاء إجرائية: قد يكون هناك أخطاء في إجراءات التقاضي، مما يستوجب ترك الدعوى ورفع دعوى جديدة لتجنب تلك الأخطاء.
- التوصل إلى صلح خارج المحكمة: قد يتوصل الخصوم إلى اتفاق أو تسوية خارج نطاق المحكمة، مما يدفع المدعي لترك الخصومة.
إجراءات ترك الخصومة
أتاح القانون القطري للمدعي الحق في ترك الخصومة في أي مرحلة من مراحل الدعوى، سواء أمام محكمة البداية أو الاستئناف، بشرط اتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات القطري، وهي:
- الإعلان بالترك: يحق للمدعي إعلان المدعى عليه بنيته ترك الخصومة من خلال إعلان رسمي.
- مذكرة مكتوبة بالترك: يمكن للمدعي أن يُعد مذكرة مكتوبة، يُعبر فيها بوضوح عن رغبته في ترك الدعوى، ويوقعها بنفسه أو بواسطة وكيله مع إعلام المدعى عليه.
- الترك الشفوي أمام المحكمة: يُمكن للمدعي أو وكيله الإعلان شفويًا عن رغبته في ترك الدعوى أمام القاضي، وتثبيت ذلك في محضر الجلسة.
السؤال: هل يجب على المدعي القيام بجميع الإجراءات الثلاثة لترك الخصومة؟
الإجابة: يكفي المدعي اتباع أحد هذه الإجراءات، إذ نص القانون على خيار واحد منها بما يعبّر عن إرادة المدعي في ترك الخصومة.
شروط قبول ترك الخصومة
يشترط القانون القطري شرطًا أساسيًا لقبول المحكمة لطلب ترك الخصومة، وهو موافقة المدعى عليه إذا كان قد قدم طلباته أمام المحكمة. بمعنى أن المدعى عليه يملك حق الموافقة أو الرفض، مما يمنح القبول للمدعى عليه وليس للقاضي. فقد نصت المادة (94) من قانون المرافعات على أن “لا يتم الترك بعد إبداء المدعى عليه طلباته إلا بقبوله“.
هل تُسلب سلطة المحكمة في قبول الترك إذا رفض المدعى عليه؟
منح المشرع القطري القاضي سلطة تقديرية لقبول طلب الترك من المدعي حتى إذا رفض المدعى عليه، ولكن في حالات معينة فقط، وهي:
- إذا دفع المدعى عليه بعدم اختصاص المحكمة: سواء كان الدفع بعدم الاختصاص نوعيًا أو مكانيًا أو ولائيًا.
- إذا طلب المدعى عليه إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى: في حالة وجود سبب قانوني يحتم إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى.
- إذا طلب المدعى عليه بطلان صحيفة الدعوى: لأسباب قانونية تؤثر على صحة صحيفة الدعوى.
- إذا كانت طلبات المدعى عليه لعرقلة سير الدعوى: إذا قدم المدعى عليه طلبات لا ترتبط مباشرة بالدعوى وتُعطل من سيرها.
الخلاصة
يعتبر ترك الخصومة حقًا للمدعي، ويمكنه اللجوء إليه في أي مرحلة من مراحل الدعوى بعد الإعلان عن رغبته الصريحة والواضحة في ترك الخصومة عبر أي من الإجراءات الثلاثة المنصوص عليها. ومع ذلك، فإن هذا الحق يتوقف على موافقة المدعى عليه إذا كان قد قدم طلباته في الدعوى، إلا أن للقاضي سلطة تقديرية في قبول الترك دون موافقة المدعى عليه في حالات محددة. يعكس هذا التنظيم حرص القانون القطري على حماية حقوق الأطراف وضمان استمرار العملية القضائية وفق مبادئ العدل والإنصاف.